وعد الله عباده الصالحين جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وبين لنا سبحانه أن هذه الجنات ليست مجرد روضة أو بستان بالمفهوم المتعارف عليه، بل إنها قصور وبيوت وخيام تستريح فيها النفوس، وتطمئن بها القلوب، وتستلذ ببهجتها الحواس والعيون، قال تعالى: {وعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ومَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ورِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة:72].
¤ غرف من فوقها غرف:
ومن هذه المساكن الطيبة التي وعد الله عباده الصالحين: غرف من فوقها غرف، طباق فوق طباق، مبنيات محكمات مزخرفات عاليات، قال تعالى: {لَكِنِ الَذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الزمر:20].
ويصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم روعة هذه الغرف وجمالها وشفافيتها فيقول: «إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها»، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» رواه الترمذي.
¤ خيام من اللؤلؤ:
وفي الجنة خيام ينعم فيها أصحاب الجنة، ولكنها ليست كخيامنا في الدنيا، من وبر الإبل أو صوف الأنعام أو غير ذلك، بل هي لؤلؤة واحدة مجوفة عرضها ستون ميلا، فعن أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة لخيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن» رواه الترمذي.
ويقول ابن القيم: وهذه الخيام غير الغرف والقصور، بل هي خيام في البساتين، وعلى شط الأنهار.
¤ بيت الحمد:
يبنى هذا البيت في الجنة لمن صبر على قبض الملائكة لولده، فعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضت ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضت ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك وإسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» رواه الترمذي.
¤ بيت مثله:
ومن بنى لله مسجدا صغيرا أو كبيرا، بنى الله له في الجنة مثله، فعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا، بنى الله له مثله في الجنة» رواه االترمذي.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر، بنى الله له بيتا في الجنة» رواه ابن ماجة، والقطاة: نوع من الحمام الصحراوي، والمفحص هو الموضع الذي تحفر القطاة فيه موضعا لتبيض فيه.
¤ بناء وتشيد:
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأعمال الأخرى التي يستطيع المرء أن يبني لنفسه ويشيد من خلال الحفاظ عليها بيوتا في الجنة، ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما يلي:
عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى إثنتي عشرةَ ركعة في يومٍ وليلة، بني له بهن بيت في الجنة»، قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم.
وعن معاذ بن أنس الجهني أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات، بني له بيتا في الجنة» صحيح الجامع.
وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة» رواه الترمذي.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» رواه أبو داود.
فلنحرص على بناء بيوتنا في الجنة بالإكثار من الصالحات، ولنخص ما ذكرناه من أعمال صالحات في مقالنا هذا بالإكثار، ولنذكر من حولنا بها لنتجاور معا في الجنة إن شاء الله.
الكاتب: ياسر محمود.
المصدر: موقع رسالة المرأة.